جلالة الملك قبل إستقالة البخيت وكلف عون الخصاونة تشكيل حكومة جديدة

كلف جلالة الملك عبدالله الثاني الدكتور عون الخصاونة تشكيل حكومة جديدة، خلفا لحكومة الدكتور معروف البخيت، التي قبل جلالة الملك إستقالتها اليوم.



وفيما يلي نص كتاب التكليف:

بسم الله الرحمن الرحيم،الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
عزيزنا دولة الأخ عون الخصاونة، حفظه الله ورعاه،
رالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

أبعث إليك بأطيب تحياتي وخالص أمنياتي بموفور الصحة والسعادة والتوفيق وبعد،
فقد عرفتك منذ سنين خلت جندياً من جنود الوطن المخلصين، وتابعت باهتمام عطاءكَ المتميز الموصول خلال عملك رئيساً للديوان الملكي الهاشمي بمعية المغفور له بإذن الله والدي الملك الحسين بن طلال، وفي سائر المواقع التي خدمت فيها والمسؤوليات التي نهضت بها بمنتهى النزاهة والإخلاص والإتقان.
كما عرفناك جميعاً أحد أبرز المراجع القانونية على المستوى العالمي، بحيث أهلتك هذه الكفاءة لتتبوأ أعلى المناصب القانونية في العالم، قاضياً ونائباً لرئيس محكمة العدل الدولية.
إن هذه المرحلة من مسيرة الأردن العزيز تتميز بطابع الإصلاح السياسي. وقد ترتب على انجاز التعديلات الدستورية الأخيرة إجراء مراجعة شاملة وإقرار العديد من التشريعات والقوانين الناظمة للعمل السياسي في الأردن ضمن رؤية إصلاحية شاملة، ولما عرفته بشخصك من نزاهة واستقامة وخبرة قانونية ومكانة عالمية، وما أتوسمه بك من قدرة على تحمل المسؤولية بمنتهى الأمانة والإخلاص والكفاءة، وبعد أن قبلنا استقالة حكومة الدكتور معروف البخيت آخذين بعين الاعتبار ما استشرفناه عبر لقاءاتنا المكثفة مع العديد من الفعاليات ومكونات مجتمع بلدنا الحبيب من رأي عام حولها بما في ذلك الرسالة التي وردتنا من أغلبية برلمانية، فإنني أعهد إليك بتشكيل حكومة جديدة تواصل مسيرة الإصلاح والتحديث بكل جوانبها وتنفذ استحقاقات هذه المرحلة وتبني على ما أنجزته الحكومات السابقة.

دولة الأخ،
إن استكمال مسيرة الإصلاح السياسي يتطلب إعادة النظر ومراجعة وإقرار العديد من القوانين والتشريعات، حتى تتواءم مع دستورنا الجديد والذي يؤسس لتفعيل المشاركة الشعبية، وتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني في صنع القرار، في إطار من الحرية والتعددية وسيادة القانون.

وعلى ذلك، فلابد من:
أولاً: إعطاء الأولوية لانجاز التشريعات والقوانين الناظمة للحيـاة السياسية، وفي مقدمتها قانون الانتخاب وقانون الأحزاب الذي ينبغي أن يتم التوافق عليهما، باستكمال حوار وطني فعّال وبنّاء مع كافة الأطياف السياسية والفعاليات الشعبية ومؤسسات المجتمع المدني، قبل إقرارهما من خلال القنوات الدستورية المعروفة، وذلك تكريساً لمبدأ الشورى وامتثالاً لقوله تعالى:
?وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ? صدق الله العظيم.
ثانياً: يرتبط بهذين القانونين إنجاز قانون الهيأة المستقلة للإشراف على الانتخابات وإدارتها الذي يجب أن يتضمن الآلية المثلى لتحقيق أعلى درجات الشفافية والنزاهة والحياد. وذلك كله تمهيداً لإجراء الانتخابات النيابية القادمة، والتي أؤكد على ضرورة أن تكون انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، تُسفر عن مجلس نواب يجسد الإرادة الشعبية ويمثل سائر شرائح المجتمع ، ويضطلع بدوره الرئيس في التشريع والرقابة والمساءلة، بمنتهى الجدارة والفاعلية، إضافة إلى إنجاز قانون المحكمة الدستورية، حتى تكون لدينا مرجعية مختصة للبت بمدى دستورية التشريعات والقوانين.
ثالثاً: لا بد من إجراء مراجعة شاملة لموضوع الانتخابات البلدية، بحيث تكون هذه الانتخابات في أعلى درجات النزاهة والحياد لتعزيز مسيرة الإصلاح، ولتقوم البلديات بدورها الرئيسي في خدمة المجتمع المحلي، وتؤسس لتنفيذ توجهاتنا المستقبلية نحو اللامركزية والحكم المحلي.
رابعاً: على الحكومة أن تعمل بكل طاقاتها لتكريس مبدأ الشفافية والمساءلة وسيادة القانون وتحقيق العدالة وتكافؤ الفرص ومحاربة ظاهرة الواسطة والمحسوبية، وتعزيز منظومة مكافحة الفساد لكي نردع الفساد قبل أن يقع ونحارب وقوعه، ونحاسب الفاسدين والمفسدين بصرف النظر عن مواقعهم الوظيفية أو مكانتهم الاجتماعية أو أي اعتبارات أخرى، ودون إبطاء أو تأجيل حتى يلمس المواطن، مدى الجدية والحزم في معالجة هذه الظاهرة التي تسيء إلى مصداقية مؤسسات الدولة وهيبتها، فلا أحد فوق المساءلة، ولا أحد فوق القانون مع التأكيد على ضرورة أن تكون المحاسبة من خلال القضاء العادل، ليكون هو الحكم والفيصل. كما لا بد من تقديم كل أشكال الدعم لهيأة مكافحة الفساد، والجهات الرقابيـة الأخرى.
خامساً: إن وحدتنا الوطنية هي خط أحمر لا يمكن أن نسمح لأي كان بتجاوزه أو الإساءة إليها والتي يجب أن تبقى دائماً فوق كل الاختلافات والخلافات.
سادساً: إن إطلاق الحريات الإعلامية يجب أن يتم بالتوازي مع الحفاظ على المهنية والمصداقية، والانفتاح على كل الآراء والاتجاهات الفكرية والسياسية، بحيث تكون المؤسسات الإعلامية، المرئية والمسموعة والمقروءة بما فيها المواقع الإلكترونية منابر للحوار الوطني الهادف البناء، البعيد عن الغوغائية والتحريض والإساءة لصورة الوطن واغتيال الشخصية. فليس من حق أحد الإدعاء باحتكار الحقيقة أو الإدعاء باحتكار الحرص على المصلحة الوطنية. وأؤكد هنا على ضرورة أن تكون كل أشكال التعبير عن الرأي والاحتجاج والمسيرات السلمية، تحت مظلة القانون وعلى أساس احترام الرأي والرأي الآخر.

أما أن يُستغل المناخ الديمقراطي، وحرية الإعلام والتعبير عن الرأي، لبعض الأجندات الخاصة والأغراض الشخصية، والتشكيك بالمسيرة أو الإساءة إلى وحدتنا الوطنية، فذلك أمر يجب أن يُرد إلى القضاء العادل، حتى يكون الحكم والفيصل فيه.
سابعاً: إن تحسين مستوى معيشة المواطن يعد أبرز أولوياتنا وهذا يستدعي من الحكومة تنفيذ البرامج التنموية الاقتصادية والاجتماعية، وفي مقدمة ذلك تعزيز الاستقرار الاقتصادي، ورفع معدلات النمـو، ومعالجة قضايا الفقر والبطالة وتحسين البيئة الاستثمارية، وجذب الاستثمارات لإيجاد فرص العمل، وخصوصاً للشباب، ووضع الآلية المناسبة للاستفادة من صندوق تنمية المحافظات، حسب احتياجاتها وأولوياتها وذلك بالتنسيق الكامل مع الهيئات والفعاليات المحلية، إضافة إلى تعزيز كافة الجهود التي تهدف إلى تمكين المرأة والشباب وتوسيع شريحة الطبقة الوسطى.
ثامناً: إننا نسعى إلى تكريس النهج الأفضل في الإدارة الحكومية الذي يقوم على التشاور مع الفعاليات الشعبية والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني لتحديد الأولويات واقتراح الحلول الملائمة، ومن ثم الإسراع في التنفيذ والإنجاز وفق القنوات الدستورية، وبمنأى عن التردد والتأجيل وترحيل الأزمات أو المحاباة والاسترضاء.
تاسعاً: أما قواتنا المسلحة ، وأنا قائدها الأعلى، وأجهزتنا الأمنية، وهي جميعا قرّةْ عيني وعيون الأردنيين، وموضع ثقتنا وفخرنا واعتزازنا، ولهم مني ومن جميع الأردنيين كل الشكر والتقدير على ما تحلوا به من مهنية واقتدار وصبر وضبط للنفس وخُلق أردني أصيل خلال تعاملهم مع ما شهده الوطن من المسيرات وبعض مظاهر الحراك الشعبي، ويجب أن تحظى بكل الدعم والرعاية والاهتمام، من حيث التدريب والإعداد والتسليح وتوفير سبل العيش الكريم لمنتسبيها حتى تتمكن من الاستمرار في النهوض بمسؤولياتها الجسيمة في حماية الوطن العزيز، والحفاظ على أمنه واستقراره وانجازاته، بمنتهى الكفاءة والاقتدار.
عاشراً : إن انتماءنا إلى أمتنا العربية، والتزامنا بالدفاع عن قضاياها العادلـة، يتطلب أعلى درجات التشاور والتنسيق مع أشقائنا العرب حول مختلف القضايا التي تهم أمتنا العربية والإسلامية، وتعزيز التعاون معهم وتفعيل العمل العربي المشترك، وفي هذا الإطار جاء ترحيب الأشقاء بطلب انضمام الأردن إلى مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وهي دعوة نقدرها لهم مثلما نقدر دعمهم المتواصل ووقوفهم إلى جانبنا، وأخص بالذكر موقف أخي خادم الحرمين الشريفين الداعم للمملكة الأردنية الهاشمية في كل المجالات، ويجب على الحكومة أن تواصل العمل مع دول المجلس، من أجل تحقيق الأهداف المرجوة وترجمتها إلى واقع ملموس، يعود بالخير والنّفع على جميع الأطراف.
أما القضية الفلسطينية فهي قضيتنا الأولى وقضية كل عربي وكل مسلم، ونحن ملتزمون بموقفنا المبدئي الثابت بتقديم كل أشكال الدعم وضمن أقصى طاقاتنا للأشقاء الفلسطينيين في نضالهم من أجل استعادة حقوقهم وإقامة دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني وعاصمتها القدس الشريف، والاستمرار بدورنا التاريخي في الحفاظ على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، والتصدي لكل محاولات العبث بها أو تهديدها.
وإنني أؤكد أيضاً لدولتكم وللعالم كافة أن أي تسوية للقضية الفلسطينية لن تكون على حساب الأردن أو أن تمس مصالحنا الوطنية.

دولة الأخ،
إن مهمة هذه الحكومة بالدرجة الأولى هي الإصلاح السياسي، وإعداد ما يلزم من التشريعات والقوانين وفق القنوات الدستورية وإجراء الانتخابات البلدية، وبناء مؤسسات الهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات والمحكمة الدستورية، وهذا يتطلب أهمية التنسيق بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية وعدم تغول أي منهما على الأخرى، ووضع خارطة طريق لإنجاز منظومة الإصلاح السياسي، وفق أسس ومعايير واضحة، وإطلاع المواطنين على مراحل الإنجاز، كل إنجاز في حينه، فتحديات هذه المرحلة كبيرة ودقيقة، وهناك العديد من الاستحقاقات التي يجب أن يتم انجازها بأسرع وقت ممكن، وبالتوازي مع الاستمرار في تنفيذ برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية، التي تنعكس آثارها الإيجابية على مستوى معيشة المواطن.
إن ثقتي بك كبيرة يا دولة الأخ، وإنني بانتظار تنسيبك بأسماء زملائك الوزراء، وذلك بعد إجراء المشاورات الضرورية مع مجلس الأمة والأحزاب والقوى السياسية المختلفة، وضمن إطار زمني معقول، التي تمكنك من اختيار ذوي الكفاءة والخبرة الملتزمين برؤيتنا الإصلاحية الذين سيشاركونك حمل أمانة المسؤولية، وستجد مني وزملاؤك الوزراء كل الدعم والمؤازرة.
وإنني أتضرع إلى الله سبحانه وتعالى أن ينعم علينا بالتوفيق لخدمته وخدمة عباده في وطننا العزيز وأمتنا العربية والإسلامية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
عبدالله الثاني ابن الحسين
عمان في 19 ذو القعدة 1432 هجرية
الموافق 17تشرين أول 2011 ميلادية

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لمدونة مدونة كل شي 2013

تصميم : Modawenon-Team